فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان هذا إنتاجًا للأشياء من أضدادها، لأن كلًا من الماء في رقته وميوعه والتراب في كثافته، وجموده في غاية البعد عن النبات في تنوعه وخضرته، ونموه وبهجته، قال سبحانه وتعالى منبهًا على ذلك: {إن الله} أي الذي له تمام العز وكمال العلم {لطيف} أي يسبب الأشياء عن أضدادها {خبير} أي مطلع على السرائر وإن دقت، فلا يستبعد عليه إحياء من أراد بعد موته، والإحسان في رزقه.
ولما اقتضى ذلك أنهى التصرف، لأنه لابد بعد اختلاط الماء بالتراب من أمور ينشأ عنها النبات، على تلك الهيئات الغريبة المختلفة، فأوجب ذلك أن يكون هو المالك المطلق، قال: {له ما في السماوات} أي التي أنزل منها الماء، ولما كان السباق لإثبات البعث والانفراد بالملك والدلالة على ذلك، اقتضى الحال التأكيد بإعادة الموصول فقال: {وما في الأرض} أي التي استقر فيها، وذلك يقتضي ملك السماوات والأرضين، فإن كل واحدة منها في التي فوقها حتى ينتهي الأمر إلى عرشه سبحانه الذي لا يجوز أصلًا أن يكون لغيره.
ولما كان من المألوف عندنا أن المالك فقير إلى ما في يده؛ مذموم على إمساكه بالتقتير، وعلى بذله بالتبذير، بين أنه بخلاف ذلك فقال: {وإن الله} أي الذي له الإحاطة التامة {لهو} أي وحده {الغني} أي عنهما وعما فيهما، ما خلق شيئًا منهما أو فيهما لحاجة له إليه بل لحاجتكم أنتم إليه {الحميد} في كل ما يعطيه أو يمنعه، لما في ذلك من الحكم الخفية والجلية؛ ثم استدل على ذلك بقوله تعالى: {ألم تر} أي أيها المخاطب {أن الله} أي الحائز لصقفات الكمال، من الجلال والجمال {سخّر لكم} فضلًا منه {ما في الأرض} كله من مسالكها وفجاجها وما فيها من حيوان وجماد، وزروع وثمار، فعلم أنه غير محتاج إلى شيء منه ولما كان تسخير السلوك في البحر من أعجب العجب، قال: {والفلك} أي وسخرها لكم موسقة بما تريدون من البضائع.
ثم بين تسخيرها بقوله: {تجري في البحر} أي العجاج، المتلاطم بالأمواج، بريح طيبة على لطف وتؤدة.
ولما كان الراكب فيها- مع حثيث السير وسرعة المر- مستقرا كأنه على الأرض، عظم الشأن في سيرها بقوله: {بأمره} ولما كان إمساكها على وجه الماء مع لطافته عن الغرق أمرًا غريبًا كإمساك السماء على متن الهواء عن الوقوع، أتبعه قوله: {ويمسك السماء} ثم فسر ذلك بقوله مبدلًا: {أن تقع} أي مع علوها وعظمها وكونها بغير عماد {على الأرض} التي هي تحتها.
ولما اقتضى السياق أنه لابد أن تقع لانحلاله إلى أن يمنع وقوعها لأنها جسم كثيف عظيم، ليس له من طبعه إلا السفول، أشار إلى ذلك بقوله: {إلا بإذنه} أي فيقع إذا أذن في وقوعها حين يريد طي هذا العالم وإيجاد عالم البقاء.
ولما كان هذا الجود الأعظم والتدبير المحكم محض كرم من غير حاجة أصلًا، أشار إليه بقوله: {إن الله} أي الذي له الخلق والأمر.
ولما كان الجماد كله متاعًا للحيوان، اقتضى تقديم قوله: {بالناس} أي على ظلمهم {لرؤوف} أي بما يحفظ من سرائرهم عن الزيغ بإرسال الرسل، وإنزال الكتب ونصب المناسك، التي يجمع معظمها البيت الذي بوأه لإبراهيم عليه السلام، وهو التوحيد والصلاة والحج الحامل على التقوى التي بنيت عليها السورة، فإن الرأفة كما قال الحرالي: ألطف الرحمة وأبلغها، فالمرؤوف به تقيمه عناية الرأفة حتى تحفظ بمسراها في سره ظهور ما يستدعي العفو، وتارة يكن هذا الحفظ بالقوة بنصب الأدلة، وتارة يضم إلى ذلك الفعل بخلق الهداية في القلب، وهذا خاص بمن له بالمنعم نوع وصلة.
{رحيم} بما يثبت لهم عموما من الدرجات على ما منحهم به من ثمرات ذلك الحفظ من الأعمال المرضية لما تقدم في الفاتحة من أن الرحيم خاص الرحمة بما ترضاه الإلهية، وتقدم في البقرة تحقيق هذا الموضع.
ولما بين سبحانه جملًا من أمهات الدين، وأتبعها الإعانة لأهله على المعتدين، وختم بما بعد الموت للمهاجرين، ترغيبًا في منابذة الكافرين، وعرّف بما له من تمام العلم وشمول القدرة، ومثل ذلك بأنواع من التصرف في خلق السماوات والأرضين، وأنهاه بالدلالة على أنه كله لنفع الآدميين نعمة منه، تلا ذلك بما هو أكبر منه نعمة عليهم فقال: {وهو} أي وحده {الذي أحياكم} أي عن الجمادية بعد أن أوجدكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئًا، منة منه عليكم مستقلة، لزم منها المنة بما تقدم ذكره من المنافع الدنيوية لتستمر حياتكم أولًا، الدينية لتنتفعوا بالبقاء ثانيًّا {ثم يميتكم} ليكون الموت واعظًا لأولي البصائر منكم، وزاجرًا لهم عما طبعوا عليه من الأخلاق المذمومة {ثم يحييكم} للتحلي بفصل القضاء وإظهار العدل في الجزاء.
ولما علم أن كل ما في الوجود من جوهر وعرض نعمة على الإنسان حتى الحياة والموت، وكان من أجلى الأشياء، وكانت أفعاله معرضة عن الرب هذه النعم بالعبادة لغيره، أو التقصير في حقه على عموم فضله وخيره، ختم الآية سبحانه بقوله: {إن الإنسان لكفور} أي بليغ الكفر حيث لم يشكر على هذه النعم المحيطة به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً}.
اعلم أنه تعالى لما دل على قدرته من قبل بما ذكره من ولوج الليل في النهار ونبه به على نعمه، أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته وهي ستة.
أولها: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ذكروا في قوله: {أَلَمْ تَرَ} وجوهًا ثلاثة: أحدها: أن المراد هو الرؤية الحقيقية، قالوا لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين واخضرار النبات على الأرض مرئي، وإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته فهو أولى وثانيها: أن المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام وثالثها: المراد ألم تعلم والقول الأول ضعيف لأن الماء وإن كان مرئيًّا إلا أن كون الله منزلًا له من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل.
المسألة الثانية:
قرئ {مُخْضَرَّةً} كمبقلة ومسبعة أي ذات خضرة.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: لم قال: {فَتُصْبِحُ الأرض} ولم يقل فأصبحت؟ الجواب: لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانًا بعد زمان، كما تقول أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغد شاكرًا له، ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع.
السؤال الثاني: لم رفع ولم ينصب جوابًا للاستفهام؟ والجواب: لو نصب لأعطى عكس ما هو الغرض، لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر.
وإن نصبته فأنت ناف لشكره شاك لتفريطه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر.
السؤال الثالث: لم أورد تعالى ذلك دلالة على قدرته على الإعادة، كما قال أبو مسلم.
الجواب: يحتمل ذلك ويحتمل أنه نبه به على عظيم قدرته وواسع نعمه.
السؤال الرابع: ما تعلق قوله: {إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ} بما تُقدم؟ الجواب: من وجوه أحدها: أراد أنه رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة والسماء إذا أمطرت كان ذلك سببًا لعيش الحيوانات على اختلافها أجمع.
ومعنى {خَبِيرٌ} أنه عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة ونقصان وثانيها: قال ابن عباس {لَطِيفٌ} بأرزاق عباده {خَبِيرٌ} بما في قلوبهم من القنوط وثالثها: قال الكلبي {لَطِيفٌ} في أفعاله {خَبِيرٌ} بأعمال خلقه ورابعها: قال مقاتل: {لَطِيفٌ} باستخراج النبت {خَبِيرٌ} بكيفية خلقه.
الدلالة الثانية: قوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السماوات وما فِي الأرض وَإِنَّ الله لَهُوَ الغنى الحميد} والمعنى أن كل ذلك منقاد له غير ممتنع من التصرف فيه وهو غني عن الأشياء كلها وعن حمد الحامدين أيضًا لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته غني عن كل ما عداه في كل الأمور، ولَكِنه لما خلق الحيوان فلابد في الحكمة من قطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعامًا عليهم، لا لحاجة به إلى ذلك.
وإذا كان كذلك كان إنعامه خاليًّا عن غرض عائد إليه فكان مستحقًّا للحمد.
فكأنه قال إنه لكونه غنيًّا لم يفعل ما فعله إلا للإحسان، ومن كان كذلك كان مستحقًّا للحمد فوجب أن يكون حميدًا.
فلهذا قال: {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغنى الحميد}.
الدلالة الثالثة: قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَا في الأرض} أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضًا حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها، فلولا أن سخر الله تعالى الإبل والبقر مع قوتهما حتى يذللهما الضعيف من الناس ويتمكن منهما لما كان ذلك نعمة.
الدلالة الرابعة: قوله تعالى: {والفلك تَجْرِى في البحر بِأَمْرِهِ} والأقرب أن المراد وسخر لكم الفلك لتجري في البحر، وكيفية تسخيره الفلك هو من حيث سخر الماء والرياح لجريها، فلولا صفتهما على ما هما عليه لما جرت بل كانت تغوص أو تقف أو تعطب.
فنبه تعالى على نعمه بذلك، وبأن خلق ما تعمل منه السفن، وبأن بين كيف تعمل، وإنما قال بأمره لأنه سبحانه لما كان المجري لها بالرياح نسب ذلك إلى أمره توسعًا، لأن ذلك يفيد تعظيمه بأكثر مما يفيد لو أضافه إلى فعل بناء على عادة الملوك في مثل هذه اللفظة.
الدلالة الخامسة: قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} واعلم أن النعم المتقدمة لا تكمل إلا بهذه لأن السماء مسكن الملائكة فوجب أن يكون صلبًا.
ووجب أن يكون ثقيلًا، وما كان كذلك فلابد من الهوى لولا مانع يمنع منه، وهذه الحجة مبنية على ظاهر الأوهام، وقوله تعالى: {أَن تَقَعَ} قال الكوفيون: كي لا تقع، وقال البصريون كراهية أن تقع، وهذا بناء على مسألة كلامية وهي أن الأرادات والكراهات هل تتعلق بالعدم؟ فمن منع من ذلك صار إلى التأويل الأول، والمعنى أنه أمسكها لكي لا تقع فتبطل النعم التي أنعم بها.
أما قوله تعالى: {إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فالمعنى أن المنعم بهذه النعم الجامعة لمنافع الدنيا والدين قد بلغ الغاية في الإحسان والإنعام، فهو إذن رؤوف رحيم.
الدلالة السادسة: قوله: {وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} والمعنى أن من سخر له هذه الأمور، وأنعم عليه بها فهو الذي أحياه فنبه بالإحياء الأول على إنعام الدنيا علينا بكل ما تقدم.
ونبه بالإماتة والإحياء الثاني على نعم الدين علينا، فإنه سبحانه وتعالى خلق الدنيا بسائر أحوالها للآخرة وإلا لم يكن للنعم على هذا الوجه معنى.
يبين ذلك أنه لولا أمر الآخرة لم يكن للزراعات وتكلفها ولا لركوب الحيوانات وذبحها إلى غير ذلك معنى، بل كان تعالى يخلقه ابتداء من غير تكلف الزرع والسقي، وإنما أجرى الله العادة بذلك ليعتبر به في باب الدين ولما فصل تعالى هذه النعم قال: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} وهذا كما قد يعدد المرء نعمه على ولده، ثم يقول إن الولد لكفور لنعم الوالد زجرًا له عن الكفران وبعثًا له على الشكر، فلذلك أورد تعالى ذلك في الكفار، فبين أنهم دفعوا هذه النعم وكفروا بها وجهلوا خالقها مع وضوح أمرها ونظيره قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور} [سبأ: 13] وقال ابن عباس رضي الله عنهما الإنسان هاهنا هو الكافر، وقال أيضًا هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل والعاص وأبي بن خلف، والأولى تعميمه في كل المنكرين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً}.
{ألم تر} تنبيه وبعده خبر {أن الله} تعالى: {أنزل من السماء ماء} فظلت {الأرض} تخضرعنه، وقوله: {فتصبح الأرض} بمنزلة قوله فتضحي أو فتصير عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة، ورفع قوله: {فتصبحُ} من حيث الآية خبر والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جوابًا لقوله: {ألم تر} فاسد المعنى، وروي عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة ومعنى هذا أنه أخذ قوله: {فتصبح} مقصودًا به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار في سائر البلاد يتأخر.
قال القاضي أبو محمد: وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر بعد قحط وأصبحت تلك الأرض التي تسقيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق، وقرأ الجمهور: {مخضرة} واللطيف المحكم للأمور برفق، واللام في {له ما في السماوات} لام الملك والمعنى الذي لا حاجة به إلى شيء هكذا هو على الإطلاق، وقوله: {سخر لكم ما في الأرض} يريد من الحيوان والمعادن وسائر المرافق، وقرأ الجمهور: {والفلكَ} بالنصب، وذلك يحتمل وجهين من الإعراب أحدهما أن يكون عطفًا على {ما} بتقدير وسخر الفلك، والآخر أن يكون عطفًا على المكتوبة بتقدير وإن الفلك وقوله، {تجري} على الإعراب الأول. في موضع الحال، وعلى الإعراب الثاني في موضع الخبر. وقرأت فرقة {والفلكُ} بالرفع فتجري خبر على هذه القراءة. قوله: {بإذنه} يحتمل أن يريد يوم القيامة كأن طيّ السماء ونقض هذه الهيئة كوقوعها، ويحتمل أن يريد بذلك الوعيد لهم في أنه إن أذن في سقوط لكسفها عليهم سقطت، ويحتمل أن يعود قوله: {إلا بإذنه} على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، فكأنه أراد إلا بإذنه فيه يمسكها، وباقي الآية بين.
{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ (66)}.
الإحياء والإماتة في هذه الآيات ثلاث مراتب وسقط منها الموت الأول الذي نص عليه في غيرها إلا أنه بالمعنى في هذه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً}.
يعني: المطر {فتصبح الأرض مخضرَّة} بالنبات.
وحكى الزجاج عن الخليل أنه قال: معنى الكلام التنبيه، كأنه قال: أتسمع، أنزل الله من السماء ماءً فكان كذا وكذا.
وقال ثعلب: معنى الآية عند الفراء خبر، كأنه قال: اعلم أن الله ينزِّل من السماء ماءً فتصبح، ولو كان استفهامًا والفاء شرطًا لنصبه.
قوله تعالى: {إِن الله لطيف} أي: باستخراج النبات من الأرض رزقًا لعباده {خبير} بما في قلوبهم عند تأخير المطر.
وقد سبق معنى {الغني الحميد} في [البقرة 267].
قوله تعالى: {ألم تر أن الله سخَّر لكم ما في الأرض}.
يريد البهائم التي تُركَب {ويُمسك السماء أن تقع على الأرض إِلا بإذنه} قال الزجاج: كراهة أن تقع.
وقال غيره: لئلا تقع {إِن الله بالناس لرؤوف رحيم} فيما سخَّر لهم وفيما حبس عنهم من وقوع السماء عليهم.
{وهو الذي أحياكم} بعد أن كنتم نطفًا ميتة {ثم يُميتكم} عند آجالكم {ثم يُحييكم} للبعث والحساب {إِن الإنسان} يعني: المشرك {لكفور} لِنعَم الله إِذ لم يوحِّده. اهـ.